عقب تعيين رئيس إفريقيا الوسطى المنتحب حديثا، فوستن تواديرا، سمبليس سارندجي، رئيسًا للوزراء، رحب عدد من الفاعلين المسلمين وكذلك، من داعمي الرئيس من التنظيمات السياسية، خلال الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التي أقيمت في 14 من فبراير الماضي، على مضض، بالقرار.
تواديرا، المستقل، الذي أدى اليمين الدستورية في 30 من مارس المنقضي، متعهدًا بـ”أداء مهامه دون أي اعتبارات عرقية أو شخصية”، عين مدير حملته الإنتخابية، قبل الإعلان عن نتائج الإنتخابات التشريعية. (المقررة في 27 أبريل الحالي، على أقصى تقدير).
وخلال اجتماعٍ موسعٍ مع أغلب الأطراف السياسية في إفريقيا الوسطى، عقد أول أمس الإثنين، برر الرئيس اختياره بـ “الظرف الصعب والملح” الذي تعيشه البلاد حاملة في ذاكرتها الجماعية ثقل أكثر من عامين من النزاع الطائفي بين ميليشيات الـ “سيليكا ” (أغلبية مسلمة) والـ “أنتي بالاكا” (مسيحية).
الفاعلون السياسيون في إفريقيا الوسطى من مسلمين وأنصار تواديرا، خلال الجولة الثانية من السباق الرئاسي، ولئن لم يعربوا عن رفضهم لتعين ساراندجي رئيسًا للوزراء، إلّا أنّهم أشاروا، في تصريحاتهم التي أدلوا بها للأناضول، إلى رغبتهم غير المعلنة، للوصول إلى مربع الحكم والمشاركة في الحكم خاصه أنّهم يتوقعون أن يكونوا ممثلين في البرلمان المقبل.
وقال للأناضول، إدوارد باتريس نغيسونا، رئيس حزب “إفريقيا الوسطى من أجل الوحدة والتنمية”، إحدى الحركات التي كانت تتبع ميليشيات الـ “أنتي بالاكا”، إنّ “الرئيس تواديرا شرح لنا الأسباب التي دفعته لاختيار رئيس الوزراء. وليس لدي رأي شخصي، في هذا الصدد. فقط، كل ما أعلمه أنّ رئيس الوزراء عمل لفترة طويلة مع رئيس البلاد ويعرفه جيدًا”، مضيفًا أنّ تواديرا باستطاعته “ممارسة سلطته التقديرية، خلال تشكيل الحكومة، واعتبر أن دعوتنا للانضمام للفريق الحكومي ستكون خطوة حميدة”.
في السياق ذاته، يرى مارتن زيغيلي، رئيس حزب “حركة تحرير شعب إفريقيا الوسطى”، الذي دعم تواديرا، بقوة، في الدور الثاني من السباق الرئاسي، أنّ “تعيين رئيس الوزراء من صلاحيات رئيس الجمهورية التي يمنحها له الدستور. واعتبر أنّ القرار الذي اتخذه (تواديرا) جاء مراعاةً للظرف التي تعيشها البلاد. خاصةً وأنّ رئيس الوزراء حظي بدعمٍ كبيرٍ”، مشيرًا، في الوقت ذاته، إلى أنّ اللعبة لم تنته بعد، في إشارةٍ إلى تشكيل الحكومة المرتقب.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، اليوم، هل تواديرا قادرٌ على تلبية تطلعات الـ 18 مرشحا الخاسرين في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية ممن ساندوه في الدور الثاني؟ المهمة لا تبدو سهلة بالمرة، كما يجيب عدد من المراقبين.
من جانب آخر، كشف مسلمو إفريقيا الوسطى عن ردود أفعالٍ متباينةٍ بعد قرار تعيين الرجل الثاني في السلطة، من غير المسلمين. وأوضح أمات ديليريس، نائب رئيس الأقلية المسلمة في البلاد، للأناضول، في هذا السياق: “لن أخفي عليكم، المسلمون يشعرون بالخيبة. إذ تمنوا أن يكون رئيس الوزراء من دينهم، بما أنّ رئيس البلاد مسيحي، من أجل ضمان التوازن” في البلاد.
الإمام يوسف نامغينا قال، للأناضول، إنّه كان يجدر بتواديرا الانتظار قليلًا قبل تعيين رئيس الوزراء، إلّا أنّه “سارع في اتخاذ القرار، ولم يتبق أمامنا سوى ترقب ما ستؤول إليه الأمور”، مشيدًا، في الوقت ذاته، بتعيين شخصية “مستقلة”، قطعت الطريق على المزايدات السياسية.
وفي سياق آخر، صرح للأناضول أدجا كاتيدجا، عضو “ائتلاف شباب إفريقيا الوسطى للأديان”، الذي يضم مسلمين ومسيحيين على حد سواء: “بعيدًا عن الانتماء الديني، تظل مصلحة كافة شرائح السكان، الأهم في النهاية. ونحن ننتظر من الحكومة الجديدة أفعالًا “ناجعة” لدمج الشباب في مجالهم الإقليمي والدولي”.
تواديرا الذي انتخب في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بنسبة 62.69% من أصوات الناخبين، يواجه 3 ملفات أساسية، أولهما، إعادة الأمن لإفريقيا الوسطى المنقسمة إلى شقين: ميليشيات “السيليكيا” و”الانتي بالاكا”، تسببا في انحدار البلاد إلى جحيم أزمة طائفية راح ضحيتها مئات الأشخاص ودفعت آلاف المسلمين لمغادرة البلاد باتجاه الدول المجاورة هربًا من هجمات الميليشيا المسيحية.
المهمة الثانية تتمثل في تحقيق المصالحة الوطنية. وفي هذا الإطار، يرى ملاحظون أنّ الرئيس مدعو إلى تشكيل حكومة متناسقة تضم مسلمين ومسيحيين لدرأ الخلافات. غير أنّ التحدي الأهم، الذي يواجهه الرئيس الجديد، يظل تحقيق الانتعاشة الاقتصادية التي تحتاجها البلاد، والتي تعد من بين البلدان الأكثر فقرًا في العالم، رغم ما تكتنزه أراضيها من موارد طبيعية، مثل معدن الماس.
وردًا على بعض منتقديه الذين اتهموه بـ “انتهاك الدستور من خلال تعيين ماتيو سامبليس سارندجي، بشكل أحادي وقبل بدء عمل نواب المجلس الوطني (البرلمان) الجدد”، أوضح تواديرا أنّ الظرف الذي تعيشه البلاد دفعه لاتخاذ قراره.
نائب رئيس لجنة النصوص والقوانين في المجلس الانتقالي، هياسانت غبياغا، كشف، في هذا الصدد أنّ “الفصل 53 من الدستور الجديد ينص على أنّ رئيس الوزراء مسئول أمام رئيس الجمهورية والجمعية الوطنية. لكنّه لم يحدد ما إذا كان تعيين رئيس الوزراء يتطلب موافقة المجلس الوطني”.
+ There are no comments
Add yours