أذربيجان والذكرى السادسة والعشرون للاستقلال … قراءة في تجربة ناجحة 

2 min read

تورال رضاييف سفير جمهورية أذربيجان بالقاهرة

تحل الذكرى السادسة والعشرون من الاستقلال هذا العام، تلك الذكرى التي تعيشها دول ما كان يُطلق عليها سابقا الاتحاد السوفيتي، فقد احتفلت أذربيجان في الثامن عشر من أكتوبر الماضي بذكرى مرور ربع قرن على الجلسة التاريخية للمجلس الأعلى لجمهورية أذربيجان التي عقدت في مثل هذا اليوم عام 1991، لتعلن استقلال جمهورية أذربيجان الديمقراطية، محققا بذلك تطلعات الشعب الآذرى نحو الحرية التي طال انتظارها منذ فقد الدولة لاستقلالها في عشرينيات القرن المنصرم. 


وجدير بالذكر أن درب الاستقلال لم يكن ممهدا وإنما كان مليئا بالعراقيل، حيث تفاقمت المصاعب الاقتصادية والأزمات السياسية الناجمة عن ضغوط الخارج الساعى لاستغلال الفرصة في فرض الهيمنة واستبدال الدور الروسى (السوفيتى) بأدوار تضمن له التواجد على الأرض المليئة بالإمكانات الاقتصادية والموارد الطبيعية فضلا عن الموقع الجغرافى المتميز، مستغلا في ذلك تواطؤ بعض الأطراف الداخلية التي أعطت أولوية لمصالحها الشخصية وطموحاتها الذاتية على حساب مصالح وطنها وأمنه واستقراره.

وإن ظلت قضية الاحتلال الأرميني لإقليم ناجورنو كاراباخ والأقاليم المجاورة له بما يمثل 20% من الأراضي الآذرية، هي القضية الرئيسة التي استحوذت على جل الاهتمام ليس فقط على المستوى الرسمي بل والمستوى الشعبى أيضًا. 


ولا شك أن هذه الصورة التي كانت عليها الدولة آنذاك، قد أعطت شكوكا لدى الجميع في قدرة هذه الدولة المستقلة حديثا على الصمود وتجاوز هذه المخاطر ومواجهة كل تلك التحديات، إلا أن الدولة نجحت في تجاوز كل هذه التحديات والمخططات، فحققت الاستقرار السياسى والتطور الديمقراطى والنهضة الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية فى فترة لم تكن طويلة مقارنة بحجم ما واجهته من صعوبات جمة، وذلك كله بفضل الإرادة الشعبية الواعية والرغبة الوطنية الصادقة التي تلاقت مع الرؤية السياسية الواضحة التي عبر عنها الزعيم التاريخى الرئيس السابق "حيدر علييف" واستكمل خطواتها وفقا للتطورات والمستجدات الرئيس "إلهام علييف" بقيادته وحكمته السياسية، لتقف أذربيجان اليوم وقد حققت الكثير الذى يعد مدعاة لفخر شعبها وقيادتها. 


وغنى عن القول إن ما واجهته أذربيجان في بداية استقلالها من تحديات لم يختلف كثيرا عما تواجه بعض البلدان العربية اليوم من تحديات تفرض عليها الكثير من الصعاب داخليا وخارجيا، وهو ما يمكن معه الاستفادة من تلك التجربة كنموذج استطاعت معه أذربيجان صون وحدة أراضيها واستقلالية قرارها. 


أذربيجان ومؤشرات عديدة للنجاح: 
تكشف الكثير من البيانات والمؤشرات على ما حققته أذربيجان من نجاحات في مختلف المجالات على مدى الست والعشرين عاما الماضية، ومن أبرز ما يمكن رصده في هذا الخصوص ما يلى: 
أولا- في المجال الاقتصادى: 
–    استحواذ الاقتصادى الأذرى على نسبة تتراوح ما بين 75 -80 % من اقتصاد منطقة القوقاز. 
–    خلال أعوام 2003- 2008 زاد الناتج المحلي الكلي من ٧٫٣ مليارات منات (المنات = 1.7 دولار) لتصل الى ٣٠٫٧ مليار منات. وبلغ نصيب الفرد من حجم هذا الناتج ٥٨٠٠ دولار. واستمر في الارتفاع ليسجل خلال عام 2015 ارتفاعا بنسبة حوالى  6.5%. كما سجل إجمالي الناتج المحلى فى القطاع غير النفطي نموًا تجاوز 9.2% خلال العام، وبلغ معدل التضخم 3.5% وزادت وإيرادات المواطنين النقدية 6.2%. وكل ذلك رغم تراجع أسعار النفط عالميًا. 
–    ارتفع حجم الانتاج الصناعي بـ٢٫٧ مرة خلال اعوام 2003- 2008. 
–    بلغ حجم الاستثمارات الموظفة في الاقتصاد نحو 27 مليار دولار، فيما بلغ التضخم المالي 1.4% وارتفع حجم عائدات الفرد لنحو 5%.
–    تحولت بعد مرور 25 عاما من الاستقلال من دولة متلقية للمعونات إلى دولة مانحة، إذ تجاوز الاحتياطي النقدي الأجنبي 55 مليار دولار، فيما يبقى الدين الخارجي نحو 8% من الناتج الإجمالي المحلى.
–    استقر الاقتصاد الأذربيجاني في المركز الـ37 حسب مؤشر التنافسية العالمية في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي 2016 . 
–    حصول الدولة علي 61.3 نقطة في التحرر الاقتصادي مما جعل اقتصادها يحتل المرتبة 81 في المؤشر العالمي للتحرر الاقتصاد عام 2014، وتحتل المرتبة 13 من ضمن 41 دولة في منطقة آسيا – الباسفيك.  كما احتلت أذربيجان المرتبة 33 من الدول التي نجحت في جذب الاستثمارات وتوفير مناح حر لإقامة الأعمال بعد أن كان مركزها 97 على مستوي العالم، مع سعيها للحصول على وضع دولة متقدمة بحلول منتصف عام 2020.
–    تطوير منظومة المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال تقديم الدعم المالي وإزالة العقبات أمامها، إذ تم تأسيس الصندوق القومي لدعم رجال الأعمال، وهو ما أسهم بدوره في إقامة 500 مؤسسة صناعية خلال العشر السنوات الماضية.
–    انخفاض نسبة البطالة من 49.2% عام 2003 لتصل إلى 4.9% عام 2014، أي اقترابه من المؤشر الموجود في كثير من الدول الأوروبية. 
–    ارتفاع نسبة العمالة في القطاع الخاص لتصل إلى 17.5% عام 2015، مقارنة بـ 5% عام 1995.
ثانيًا- في مجال التنمية البشرية: 
إدراكا من القيادة السياسية بأن الإنسان هو محور التنمية وهدفها وأداتها في الوقت ذاته، استكملت الدولة سياستها في النهوض بالمجالات الاجتماعية المختلفة، دل على ذلك ما تحقق من تطورات مهمة في مجال التنمية البشرية خلال الفترة (2003-2015)، إذ يذكر أن الدولة وضعت برنامجين لمكافحة الفقر وتحقيق التنمية، الأول كان بعنوان برنامج مكافحة الفقرة والتنمية الاقتصادية (2003-2005). والثانى بعنوان "برنامج محاربة الفقر والتنمية المستدامة (2008-2015). 
وقد ترتب على هذه البرامج، رفع حجم المستوى الاقل من الرواتب ٨ مرات والحد المتوسط من الرواتب ٣٫٦ مرات. وفقا لنتائج سنة ٢٠٠٨ انخفضت نسبة الفقر لتصل إلى ١٤% بعدما كانت ٤٩% عام ٢٠٠٣. كما تم توزيع المساعدة الاجتماعية الموجهة الى ٦٠٠ الف شخص. وفى إطار تبني الحكومة لبرنامج (تطوير النظام التأميني التقاعدي خلال اعوام 2009 – 2015) تمت مواجهة الكثير من المشكلات المتعلقة بزيادة حجم التقاعد.
وكانت نتيجة كل ما سبق أن قفز ترتيب أذربيجان في تقرير البنك الدولى لعام 2010 من وضعها ضمن مجموعة الدول متوسطة الدخل إلى وضع مجموعة الدول عالية الدخل(high average income) .

وكذلك الأمر في تقرير التنمية البشرية قفز وضع الدولة من مجموعة البلدان ذات التنمية البشرية المتوسطة إلى مجموعة الدول ذات التنمية البشرية العالية في عام 2011. لتدخل بذلك في ترتيب أعلى 15 دولة الأسرع نموا في العالم. وفى الاطار ذاته، ورد في تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة (2012) أنه من المتوقع عام 2030 أن يعيش 60% من سكان جنوب القوقاز في أذربيجان، وهو ما يعنى أن يكون سكان أذربيجان أكثر مرة ونصف من كل سكان جورجيا وأرمينيا مجتمعين.


ثالثا-في مجال الإصلاحات السياسية … استكمال مسيرة التحول الديمقراطى: 
في إطار التطورات التي شهدتها أذربيجان منذ تولي الرئيس "إلهام علييف" المسئولية، أضحت ثمة حاجة إلى إعادة في بعض نصوص الدستور لتتماشى مع هذه التطورات. ومن ثم، أُدخل التعديل الثانى على الدستور في 18/3/2009، حيث تم ادخال 41 تعديل على 29 مادة من مواد الدستور.

وقد تركزت الأهداف من وراء هذا التعديل في ضرورة الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي الذى تحقق، مع التأكيد على أهمية مشاركة المواطنين في العملية السياسية، حيث نصت المادة 56 من الدستور على حق جميع مواطني جمهورية أذربيجان في الانتخاب والترشيح، وكذلك المشاركة في الاستفتاءات التي تُجرى. وكان من أبرز ما تم في هذا المجال ما يلى:


–    زيادة عدد الاحزاب السياسية الفاعلة في المجتمع ليصل عددها إلى (55) حزبا مسجلين رسميا، منهم (11) حزبا ممثلين في البرلمان الحالي.
–    وجود ما يزيد عن 5 آلاف منظمة غير حكومية "NGOs"، تعمل في مختلف المجالات: الصحة، التعليم، الثقافة، البيئة، المشاكل الاجتماعية. ويذكر أن من بينهم 2700 منظمة تعمل في مجال حقوق الانسان.  كما بلغ عدد النقابات العمالية والمهنية (68) نقابة، إضافة إلى عدد من المنظمات غير الحكومية الأجنبية والبالغ عددهم (62) منظمة.


–    استكمال التوقيع على منظومة الاتفاقات الدولية المعنية بقضايا حقوق الانسان، ومن أهمها: اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبروتوكول الاختياري الملحق ﺑﻬا في 28 يناير ٢٠٠٩.


رابعا – في مجال السياسة الخارجية: 


اتسمت السياسة الخارجية الآذرية بالنشاط والديناميكية، وبالتوازي مع التطور متعدد الأوجه للبلاد والسياسات الداخلية المتبعة، فقد أصبحت أذربيجان دولة رائدة إقليمية، بل أصبح من الصعب القيام بأي مبادرة في المنطقة دون الاخذ في الاعتبار دور أذربيجان ومكانتها. ويرجع هذا النجاح إلى جملة من العوامل، أهمها:


–    تأمين الاستقرار السياسي الداخلي على المدى الطويل منذ الاستقلال وحتى اليوم. 
–    النجاحات التي تحققت في الاقتصاد والنمو الاقتصادي المتواصل للبلاد، وما ارتبط به من أهمية القضاء التام على الاعتماد على الخارج. 
–    الرؤية المحددة لرئيس الدولة في رسم سياسته الخارجية انطلاقا من العمل على حماية المصالح القومية كشرط أساسي. 
–    تبنى النهج العملى والمهنى في رسم السياسة الخارجية وآليات تنفيذها بعيدا عن العشوائية والتخبط. 
ومن هذا المنطلق، حققت السياسة الخارجية حضورًا دوليًا ناجحًا، عبرت عنه عدة مؤشرات، أبرزها ما يلى: 
o    انتخابها في 9 مايو 2006 ولمدة عامين لعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
o    اكتساب عضوية غير دائمة في مجلس الأمن خلال عامي 2011/ 2012.
o    المشاركة في لجنة وزراء مجلس أوروبا عام 2014.
o    المشاركة – بناء على دعوة تركيا – في المؤتمر العشرين الكبرى (G 20).
o    تبادل العلاقات الدبلوماسية مع 158 دولة، واكتساب عضوية 38 منظمة دولية، وحمل صفة مراقب في حركة عدم الانحياز ومنظمة التجارة العالمية، وصفة مراسل في الاتحاد الدولي للاتصالات. 

أذربيجان نهاية القول إن ستا وعشرين عامًا مرت على استقلال الدولة نجحت خلالهم في عبور كثير من الصعوبات ومواجهة العديد من التحديات وخوض الكثير من المعارك داخليا وخارجيا من أجل الحفاظ على هذا الاستقلال وتحقيق منجزات داخلية عدة أهلتها للوصول إلى مكانة إقليمية ودولية، يفخر بها كل مواطن أذرى، إذ استطاعت القيادة السياسية السابقة والحالية في أن تعيد لمواطنيها هويتهم، وتحافظ على كرامتهم، وتصون وحدتهم، وتبنى مستقبل واعد لأبنائهم عبر رؤية قاربت على الانتهاء من تطبيقها كاملة، وهى رؤية أذربيجان 2020، التي عبرت في جوهرها عن رؤية قائد وطموحات شعب وتطلعات أمة نحو مستقبل أكثر اشراقا. 
 

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours