أبوبكر أبوالمجد
تعود جذور الصراع الأرمني الأذري إلى عام 1923 عندما أعطت الحكومة الروسية منطقة “ناغورني قره باخ” رسميًا لأذربيجان (أذربيجان وأرمينيا كانتا تتبعان للاتحاد السوفيتي)، وعند تفتت العقد السوفيتي واستقلال جمهورية أذربيجان، اندلعت الحروب بين كل من أذربيجان وجمهورية أرمينيا، بسبب إصرار كل منهما على ضم تلك المنطقة إلى أراضيها.
وناغورني قره باخ التابعة رسميًا لأذربيجان هي منطقة تقطنها غالبية أرمينية، وفي الفترة التي ما بين عامي 1988 و1994 قامت أرمينيا بدعم الانفصاليين الأرمن لمحاربة السلطات الأذربيجانية؛ مما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الأذربيجانيين في مذابح تكررت طيلة تلك الفترة من أبرزها مذبحة خاجايلي التي تعد أبشع تلك المذابح.
وبالإضافة إلى استيلاء أرمينيا على منطقة ناغورني قره باخ الأذربيجانية بشكل غير مباشر (عبر الانفصاليين)، تحتل كل من إيران وروسيا جزءًا هامًا من جنوب أذربيجان بموجب معاهدتي غوليستان وتركمانشاي الموقعتين بين روسيا وإيران بتاريخ 24 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1813، و22 شباط/ فبراير من عام 1828، واللتان تنصان على أن أذربيجان فقدت سيطرتها على جزئها الجنوبي وعلى تقسيم هذه المنطقة بين روسيا وإيران.
معركة تتجاوز الحدود
لا شك أن الصراع بين أرمينيا وأذربيجان يتجاوز حدوده لدول أخرى كبرى، وربما قارات، فأرمينيا مدعومة من أوروبا المسيحية وأمريكا وروسيا، وإن أبدو غير ذلك، بينما أذربيجان لا يتحالف معها بقوة غير تركيا، ثم دخل على الخط ربما بعض الدول الخليجية وعلى رأسها العربية السعودية وقطر، نكاية في الروس.
وتدعم روسيا بشكل واضح أرمينيا في صراعها مع أذربيجان، بل تكاد تكون السلطات الأرمينية “ذراعاً” لقيصر موسكو، ويوجد عدد من القواعد العسكرية الروسية في أرمينيا، كما أعلنت روسيا وأرمينيا توحيد نظاميهما الدفاعيين لتقوية حدودهما الجوية في القوقاز عقب إسقاط المقاتلة سوخوي الروسية، في خطوة تصعيدية جديدة للتوتر القائم بين أرمينيا وأذربيجان بسبب النزاع بينهما، في حين أعلنت وزارة الدفاع الأرمينية إنهاء الهدنة مع باكو وطرح خيار الحرب من جديد، وفق ما أفادت وكالة “جيهان” حينها.
وربما يعود الخلاف في واقع الأمر بين أذربيجان ومن خلفها تركيا، وأرمينيا ومن خلفها روسيا، إلى أكثر من 100 عام؛ أي إلى أحداث عام 1915، عندما تعاون القوميون الأرمن مع القوات الروسية بغية إنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول، وحاربوا الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى التي انطلقت عام 1914.
وعندما احتل الجيش الروسي شرقي الأناضول لقي دعماً كبيراً من المتطوعين الأرمن العثمانيين والروس، كما انشق بعض الأرمن الذين كانوا يخدمون في صفوف القوات العثمانية وانضموا إلى الجيش الروسي، طبقاً للرواية التركية التي تنشرها وكالة الأناضول.
وبينما كانت الوحدات العسكرية الأرمنية تعطل طرق إمدادات الجيش العثماني اللوجستية، وتعيق تقدمه، عمدت العصابات الأرمنية إلى ارتكاب مجازر ضد المدنيين في المناطق التي احتلوها، ومارست شتى أنواع الظلم بحق الأهالي.
وسعياً منها لوضع حد لتلك التطورات حاولت الحكومة العثمانية إقناع ممثلي الأرمن وقادة الرأي لديهم، إلا أنها لم تنجح في ذلك، ومع استمرار هجمات المتطرفين الأرمن قررت الحكومة في 24 أبريل/نيسان من عام 1915، إغلاق ما يعرف باللجان الثورية الأرمنية، واعتقال ونفي بعض الشخصيات الأرمنية البارزة. واتخذ الأرمن من ذلك التاريخ ذكرى لإحياء “الإبادة العرقية” المزعومة، في كل عام.
وفي ظل تواصل الاعتداءات الأرمنية رغم التدابير المتخذة، قررت السلطات العثمانية، في 27 مايو/أيار، من عام 1915، تهجير الأرمن القاطنين في مناطق الحرب، والمتواطئين مع جيش الاحتلال الروسي ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل أراضي الدولة العثمانية.
ومع أن الحكومة العثمانية خططت لتوفير الاحتياجات الإنسانية للمهجّرين، إلا أن عدداً كبيراً من الأرمن فقد حياته خلال رحلة التهجير بسبب ظروف الحرب، والقتال الداخلي، والمجموعات المحلية الساعية للانتقام، وقطاع الطرق، والجوع، والأوبئة.
ويفضل الجانب الأرمني التركيز على معاناة الأرمن فقط في تلك الفترة، وتحريف الأحداث التاريخية بطرق مختلفة، ليبدو كما لو أن الأتراك قد ارتكبوا إبادة جماعية ضد الأرمن.
وفي المقابل دعت تركيا مراراً إلى تشكيل لجنة من المؤرخين الأتراك والأرمن، لتقوم بدراسة الأرشيف المتعلق بأحداث 1915، الموجود لدى تركيا وأرمينيا والدول الأخرى ذات العلاقة بالأحداث، لتعرض نتائجها بشكل حيادي على الرأي العام العالمي، أو إلى أي مرجع معترف به من قبل الطرفين، إلا أن الاقتراح قوبل برفض من أرمينيا.
مفاوضات غير مجدية
ورغم استمرار التفاوض بين البلدين منذ وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه عام 1994، فإن المناوشات، والتهديدات باندلاع الحرب ما تزال مستمرة، في ظل عدم توقيع أي من الطرفين على معاهدة سلام دائم.
وتترأس الولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، منذ عام 1997 مجموعة مينسك، التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تقوم بالوساطة للوصول إلى تسوية سلمية لقضية “قره باغ”.
وبينما تهدد أذربيجان التي تتجاوز ميزانيتها الدفاعية ميزانية أرمينيا بأكملها في بعض الأحيان، باستخدام القوة لاستعادة الإقليم الذي يسيطر عليه الانفصاليون في حال فشل المفاوضات، تؤكد أرمينيا استعدادها للرد بعنف في حال لجوء جارتها إلى العنف.
وبين تركيا وأذربيجان مجلس للتعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، يعكس عمق العلاقات وحجمها على كل الصعد، بما فيه العسكري والاقتصادي.
وتبادر أنقرة إلى إعلان رغبتها واستعدادها استقبال الجرحى الذين يصابون في الأعمال العدائية من قبل القوات الأرمينية بشكل مستمر، وعادة ما تكتفي وزارة الدفاع الأذرية بإرسال ذوي الإصابات الخطيرة فقط للعلاج هناك.
وممّا يكشف عن عمق “أواصر القربى” بين تركيا وأذربيجان، استخدام وسائل الإعلام الرسمية التركية تعبير “شهيد” عند الحديث عن قتلى القوات الأذربيجانية برصاص القوات الأرمنية.
وتدعم موسكو على لسان الكرملين والرئيس الروسي ورئيس الحكومة، ديمتري ميدفيديف، ومجلس الدوما، في خطاباتها الرسمية الرواية الأرمنية.
فيا ترى إلى متى يمكن أن يتحمل الجانب الأذري هذا الاحتلال الأرميني لبلاده خاصة في ظل تلك التحولات الدولية، والحروب الإقليمية، وسعي دول لتغيير الحدود في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم؟
+ There are no comments
Add yours