كتب- أبوبكر أبوالمجد
لا يعرف كثيرون من العرب أو المسلمين مأساة لا ينساها التاريخ الإنساني، ولا الكازاخ كان وراؤها السوفييت!
ففي 31 مايو من كل عام تحيي جمهورية كازاخستان ذكرى ضحايا “القمع السياسي والنفي وسياسة التجويع” التي انتهجتها الحكومة السوفييتية في النصف الأول من القرن العشرين.
وهي مآسي ضربت الدول التابعة للاتحاد السوفيتي خلال أعوام 1930-1933، وأزهقت أرواح ما يقرب من 2.5 مليون نسمة أغلبهم من أصل كازاخي، وأدى هذا الوضع إلى ظهور حادثة “الجوع الكبير” في كازاخستان خلال الأعوام الثلاث سالفة الذكر.
تساقطت هذه الأرواح نتيجة سياسة الاضطهاد الجماعي للفلاحين، ففي تلك الفترة عيّن زعيم الاتحاد السوفيتي آنذاك، جوزيف ستالين، البلشفي فيليب غولوشكين كسكرتير أول للحزب الشيوعي الكازاخستاني ليبدأ بتطبيق سياسة “ثورة أكتوبر الصغيرة”.
وبدأ غولوشكين بإصدار قرار مصادرة الماشية من السكان المحليين الذين يعتمدون بشكل رئيسي على الحيوانات في كسب رزقهم لتعويدهم على أسلوب الحياة الجديد انطلاقًا من سياسة ” التنظيم الجماعي” في الاتحاد السوفييتي.
أدت هذه السياسة إلى حرمان الكازاخ “الرحّل” من مواشيهم وكل وسائل المعيشة ومات جوعًا ثلاثة من كل أربعة كازاخ، وسبقت تلك المجاعة أخرى وقعت في أعوام 1921-1922 التي أودت بحياة 30% من الكازاخ.
ووفقًا للإحصاءات كان عدد الماشية في كازاخستان قبل سياسة التنظيم الجماعي 45 مليونًا، لينخفض هذا الرقم إلى 4 ملايين في بضع سنوات.
وفي هذا الصدد، كان للمؤرخ الكازاخي، خانجيلدي أبجانوف، مدير معهد التاريخ والإثنولوجيا، مقالة في أحد اللقاءات الصحفية أن الشعب الكازاخي قد عانى من ثلاث مآسٍ في القرن العشرين وهى المجاعة، والقمع السياسي والحرب العالمية الثانية.
ووصف خبراء مجاعة الثلاثينيات بأنها إبادة جماعية تم ارتكابها ضد الشعب الكازاخي والشعوب الأخرى على يد الزعيم السوفيتي ستالين، فضلًا عن التطهير الفكري من خلال إعدام النخبة الثقافية والسياسية من كتاب وشعراء والتهجير القسري للقوميات الأخرى إلى كازاخستان.
ويقول علماء السكان، إنه لولا المجاعة المصطنعة لوصل عدد شعب كازاخستان إلى عدد الشعب المصري، حيث كان تعداد السكان قبل تلك الآفة وفي مطلع القرن العشرين أكثر من ستة ملايين نسمة، في الوقت الذي كان يبلغ فيه عدد سكان أرض الكنانة 8 ملايين نسمة.

خطة ستالين
حاول الزعيم السوفيتي ستالين، إجبار الفلاحين بالقوة على خطته لما أسماه (الغد الشيوعي المشرق)، وقد كان من ضمن مقررات البرنامج الزراعي القسري للزعيم السوفيتي، قيام الفلاحين بتسليم ممتلكاتهم ومواشيهم للمزارع الحكومية بثمن زهيد تحدده الدولة، وهو ما أدى إلى تذمر الفلاحين، فقام الفلاحون برفض البرنامج الزراعي.
فشل ستالين في إجبار الفلاحين على تسليم مواشيهم، حيث قاموا بنحر مواشيهم ودفن محاصيلهم حتى لا يسلموها، مما أغضب ستالين بشدة، فأعطى أوامره للشرطة السرية بتجريد الفلاحين من كل ممتلكاتهم وعدم ترك شيء ونقلهم بالقوة إلى المزارع الجماعية ، واتخذ تدابير انتقامية ضد الفلاحين وفرض عليهم حصص حصاد يستحيل بلوغها، وكان ممنوعًا على الفلاح الاحتفاظ بثمرة واحدة قبل أن يكتمل الحصاد المفروض عليه، ما أدى إلى موت الملايين جوعًا، في حين كانت مخازن الغذاء مليئة بالحبوب.

كما اتخذ ستالين إجراء آخر حيث أصدر قرارًا يمنع سفر الأفراد من جمهورية إلى أخرى دون تصريح، من أجل منع الفلاحين الجائعين من الهروب وفرض حصار عليهم، بهدف كسر إرادتهم وتجويعهم حتى الموت.
وفي خريف عام 1933 وبعد اقتناعه بخضوع الفلاحين أصدر قرارًا يسمح للفلاح بالاحتفاظ بالقليل من المحصول، وانتهت المجاعة.
خطاب الرئيس
وفي هذه الذكرى كان للرئيس الكازاخي قاسم جومارت توقاييف، كلمة قال فيها:
أعزائي المواطنين!
اليوم، 31 مايو، هو يوم تذكر واحدة من أكثر الأقليات في تاريخ البلاد.
كان الاضطهاد السياسي في النصف الأول من القرن الماضي مصير ملايين المواطنين في عهد الاتحاد السوفيتي.. أدين أكثر من 100 ألف شخص بريء في كازاخستان وحكم على ربعهم بالإعدام.
كان هناك 11معسكرًا وإصلاحية للعمالة في أراضي بلدنا. بمبادرة من الرئيس الأول لجمهورية كازاخستان نور سلطان نزارباييف، تم فتح مجمعات تذكارية تاريخية تذكر بالقسوة اللانهائية للنظام الشمولي في كارلاج والجير.
في زمن الظلمة اضطهدت جميع الأمم حوالي خمسة ملايين شخص تم نزعهم بعنف من أرضهم الأصلية ووجدوا ملجأ في أرض الكازاخ المقدسة. كازاخستان أصبحت مكانًا سعيدًا لهم.
لقد عانت أمتنا من الجوع كثيرًا وعانت من خسائر كبيرة ومن كارثة إنسانية لم يسبق لها مثيل.
لم يفقد شعبنا حماسته ومعنوياته بل ازدادت وحدتهم وازداد تضامنهم.
بعد فجر الاستقلال بدأنا نحفر أسماء الآلاف من الأسود من المواطنين الأبرياء الذين ضحوا بأرواحهم في ذلك الوقت.
في العام الماضي، أنشأت لجنة الدولة لرعاية ضحايا الاضطهاد. يجب على الهيئة استعادة العدالة التاريخية للشعب وليس واجب الدولة فقط؛ بل واجب المجتمع بأكمله.
من المستحيل النظر إلى اللحظات المأساوية في مجموعتنا العرقية بعيدًا عن تميزنا الوطني. لذلك، ننحني لروح ضحايا الاضطهاد السياسي والمجاعة ونتذكر أسمائهم إلى الأبد.
+ There are no comments
Add yours