كتب- أبوبكر أبوالمجد
كأن الجزائر مكتوب عليها منذ تخلصها من الاحتلال الفرنسي أن كل رئيس يجلس على كرسي الحكم فيها، أن يبادر بتغيير الدستور.
فبمجرد توليه السلطة في البلاد، نهاية العام 2019، تعهد الرئيس عبد المجيد تبون بتعديل الدستور، ليلحق بأسلافه في هذه السنة غير المعروف منبعها.
السابقون الأولون
كان الرؤساء الذين تولوا السلطة في البلاد عقب نهاية الاحتلال الفرنسي السابقون الأولون لهذه السنة التي عانى منها الشعب الجزائري وفقًا لواقع الحال.
بن بلة
الراحل أحمد بن بلة، بعد عام من نيل الجزائر استقلالها في الخامس من يوليو 1962، صاغ أول دستور للبلاد، وأقر تطبيق المبدأ الاشتراكي في الجزائر وأحقية حزب واحد فقط في حكم البلاد: حزب جبهة التحرير الوطني.
وكان أسوأ التعديلات الدستورية عام 1963، تلك التي سمحت بتدخل الجيش في الحياة السياسية، وجعلت هذا التدخل واجبًا وليس مباحًا فقط، وهو ما نصت عليه المادة 8 من دستور الاستقلال.
وتنص المادة 88 من دستور 1963 على أن “الجيش الوطني جيش شعبي، وهو في خدمة الشعب وتحت تصرف الحكومة بحكم وفائه لتقاليد الكفاح من أجل التحرير الوطني وهو يتولى الدفاع عن أراضي الجمهورية ويسهم في مناحي النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد في نطاق الحزب”.
هواري بوميدين
في 19 يونيو عام 1966، استولى وزير الدفاع هواري بومدين، على الحكم من بن بلة، في انقلاب عسكري، وتدارك تلك الثغرة القانونية فجعل حقيبة الشؤون العسكرية في البلاد من صلاحيات الرئيس.
الشاذلي بن جديد
عقب وفاة بومدين عام 1978، خلفه الرئيس الراحل الشاذلي، إلا انه لم يعدل الوثيقة الرسمية في بداية الأمر، ولمدة طويلة، حتى انتفض عليه الشعب عام 1988.
وبسبب هذه الانتفاضة عاشت الجزائر فترة احتجاجات عنيفة، بسبب تدهور القدرة الشرائية جراء أزمة انهيار أسعار البترول عام 1986 العالمية، وأودت بحياة المئات من الأشخاص، قدرت بين 150 شخصًا حسب الأرقام الرسمية، و 500 شخص حسب المنظمات الحقوقية والمعارضين.
ووضعت هذه الاحتجاجات التي عرفت بـ”أحداث أكتوبر” نهاية لحكم الحزب الواحد.
وأنجب ذلك الانفتاح السياسي أحزابًا معارضة كانت من أهمها جبهة الإنقاذ الوطني (الفيس) التي فازت بالأغلبية في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية عام 1991؛ لكن سرعان ما ألغي الدور الثاني من هذه الانتخابات من قبل الجيش، لتدخل الجزائر في حرب أهلية، يشار إليها محليا بالعشرية السوداء، واستغرقت أكثر من عقد وراح ضحيتها نحو 250 ألف جزائري على الأقل، فيما اختفى عدد كبير آخر إلى يومنا هذا.
لمين زروال
في ظل هذه الأحداث الدامية، أدخل الرئيس لمين زروال (الذي حكم في الفترة 1994ـ 1999) تغييرات على الدستور، كان أبرزها تقييد العهدة الرئاسية في عهدتين كل واحدة منهما لخمس سنوات غير قابلة لتجديد.
كما استحدث دستور زروال مجلس للأمة والمحكمة العليا للدولة ومجلس الدولة، وكرس الرقابة الدستورية عبر المجلس الدستوري.
بوتفليقة
وعندما وصل، الرئس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، إلى الحكم، مكث فيه 20 سنة متتالية وأدخل أكبر عدد من التعديلات مقارنة بأي ممن حكموا البلاد من قبله.
عدل بوتفليقة الدستور ثلاث مرات، في 2002 وفي 2008 ثم في 2016، ومن أبرز هذه التعديلات التي أدخلها، تعديل 2002 وهو اعتبار اللغة الأمازيغية لغة وطنية لتتم ترقيتها إلى لغة رسمية أيضًا في تعديل 2016.
بيد أن التغيير الجريء الذي أثار انتقادات شديدة في تعديل 2008 تعلق بمادة فك القيد على عدد الولايات الرئاسية التي يمكن للرئيس أن يترشح فيها دون انقطاع.
ثم عاد بوتفليقة ليحصر عدد العهدات المسموح بها لعهدتين اثنتين فقط عندما أجرى تعديل 2016.
واللافت أن “كل التعديلات التي أجراها بوتفليقة لم يستفت فيها الشعب”؛ “بل اكتفى بتمريرها عبر مجلس الشعب (الغرفة السفلى في البرلمان) ومجلس الأمة (الغرفة العليا)”.
ثم جاءت رياح الحراك الشعبي مطلع 2019، لتستغرق أكثر من عام إلى غاية بداية انتشار وباء كورونا مطلع العام الحالي، لتطيح بنظام بوتفليقة ويتم انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجزائر في 13 ديسمبر.
تبون
تولى عبدالمجيد تبون الرئاسة إثر فوزه في أول انتخابات رئاسية عقب
استقالة عبد العزيز بوتفليقة من الرئاسة (1999: 2019)، تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية
المناهضة لحكمه.
وها هو، تبون، يفي بعهده ويقتفي أثر أسلافه، ويستفتي شعبه بشأن مسودة مشروع تعديلات دستورية في الفاتح من نوفمبر من العام الجاري، وهو موعد له دلالة رمزية كبيرة في تاريخ البلاد.
ودخل تعديل دستوري طرحه الرئيس الجزائري، حيز التطبيق، الأحد، بعد صدوره في “الجريدة الرسمية” للبلاد.
وصدر في العدد الأخير من “الجريدة الرسمية”، والذي
يحمل رقم 82، مرسوم رئاسي برقم 442/20 تضمن وثيقة التعديل الدستوري.
ونشر القوانين في الجريدة الرسمية يعني بداية سريانها.
ونقل التلفزيون الرسمي، الخميس الماضي، أن تبون وقع مرسومًا
للتصديق على التعديل الدستوري، ليدخل حيز التنفيذ.
ونظمت الجزائر، في 1 نوفمبر الماضي، استفتاءً شعبيًا على مشروع
تعديل الدستور.
ووافق على المشروع 67 بالمائة من المصوتين؛ لكن بعزوف قياسي عن
المشاركة، حيث بلغت نسبتها نحو 24 بالمئة فقط.
أبرز التعديلات
من أبرز التعديلات في الدستور الجديد، منع الترشح للرئاسة لأكثر من فترتين (5 سنوات لكل واحدة)، سواء كانتا متتاليتين أو منفصلتين.
وتعيين رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية، والسماح بمشاركة
الجيش في مهام خارج الحدود، بشرط موافقة ثلثي أعضاء البرلمان.
ويعتبر تبون تعديل الدستور بمثابة حجر الأساس في إصلاحات جذرية
تعهد بها قبل وبعد اعتلائه سدة الحكم، في 19 ديسمبر 2019، من أجل بناء ما أسماها
“جزائر جديدة“.
المعارضة
واعتبرت أطراف معارضة نسبة المشاركة الضئيلة “طعن في
مشروعية الدستور الجديد”، فيما رأت الرئاسة أن نتائج التصويت “تعبير
حقيقي وكامل لإرادة الشعب“.
بينما ترى قوى معارضة أن وعود النظام الحاكم بالإصلاح الجذري هي
مجرد شعارات ومحاولة لتجديد واجهته من دون إحداث انتقال ديمقراطي حقيقي.
+ There are no comments
Add yours