هبة الله إبراهيم
يوم عصيب ومأسوي تلقى فيه الوطن طعنتان غادرتان بتفجيرين منفصلين بكنيستين للأقباط في مدينتي طنطا والإسكندرية، ليراق الدم المسلم والمسيحي معًا، وتصبح أعياد الأقباط بلون الدم.
حيث شهدت محافظتي الغربية والإسكندرية، ثلاثة انفجارات، يوم الأحد الماضي، فاستيقظ المصريون على حادث انفجار عبوة ناسفة داخل كنيسة مارجرجس بطنطا بمحافظة الغربية، مما أسفر عن سقوط نحو 30 قتيلاً و59 مصابًا، حسبما أعلنت وزارة الصحة.
وبعد انفجار طنطا بنحو 3 ساعات وقع انفجار آخر بمحيط الكنيسة المرقسية بمحطة الرمل بالإسكندرية، كما وقع انفجار ثالث بكنيسة مارجرجس بمنطقة العطارين بالإسكندرية، وتأتي التفجيرات بالتزامن مع احتفال الأقباط بأحد الشعانين أو ما يسمى بـ "عيد السعف".
وكما هو معتاد لدينا، تحدث الجميع مرة أخرى عن تجديد الخطاب الديني، ودور الأزهر في نشر الفكر الوسطي في المجتمع، ومحاولة الحد من الفكر المتطرف، الذي يحرض على القتل وسفك دماء الأبرياء.
وأدان العديد من علماء الأزهر الشريف، حادث تفجير الكنيستان، مؤكدين أن الحادث تكرار لمسلسل استهداف الأقباط، لزعزعة استقرار الوطن ووحدة مواطنيه.
وأعلن علماء الأزهر عن بالغ أسفهم لوقوع الأحداث الإرهابية، في مصر، واستهداف الأبرياء من أبنائها، مؤكدين على ضرورة تكاتف المسلمين مع المسيحيين، لمواجهة هذا الخطر الإرهابي، والذي يستهدف إشعال فتيل الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين.
يقول الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية، إن هذه الحادثة تذكرنا بحادثة تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية، حيث يتزامن التفجير مع مناسبات الأقباط، وهذا يدل دلالة بالغة على أن أعداء الوطن يتربصون بنا، من أجل خلق فتنة تأكل نيرانها المصريين جميعًا.
ويوضح الأزهري، أن الحادث عصيب ومأسوي تلقى فيه الوطن العديد من الطعنات، موضحًا أن يد الغدر الآثمة تمتد إلى أبناء مصر الكرام، وتعتدي على الدماء المعصومة من المسلمين والمسيحيين.
ويتابع، على كل المؤسسات الدينية أن تكون في حالة استنفار دائم لصد هذه الحرب الشرسة التي تخوضها مصر حتى يندحر هذا الإرهاب ويصل وطننا إلى بر الأمان في القريب العاجل.
وفي هذا الإطار، يقول الدكتور عبد الهادي القصبي رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية، ورئيس لجنة التضامن بمجلس النواب، إن هؤلاء الذين تجرؤوا واتخذوا منهجًا مخالفًا للإسلام، واعتدوا على الإخوة المسيحيين، الإسلام بريء منهم، ولا يمثلونه، فهؤلاء بغاة يجب مواجهتهم، ومحاربتهم، مؤكدًا على أن الإسلام ينهى عن فعل أي شيء من شأنه يلحق الضرر ويهدد النفس البشرية، وبشكل خاص الأقباط، لأنهم إخوة لنا، لهم مالنا وعليهم ما علينا، وهم شركاء الوطن.
ويضيف القصبي ، أن الحادث الإجرامي، يهدف إلى إحداث فتنة طائفية تأكل ابناء الأمة المصرية، مسلمين ومسيحيين، ونحن نرفض هذه الأحداث رفضًا قاطعًا، وعلى المسلمين أن يقفوا بجانب إخوانهم الاقباط، ويؤمنوا كنائسهم، في مناسباتهم، ولعلنا نجد في تراثنا الإسلامي مواقف عديدة كان الصحابة رضوان الله عليهم يقومون بزيارة كنائس الأقباط ويقدمون لهم التهنئة، وفي بعض الأحيان كان المسلمين يحمون كنائس المسيحيين، ولنا في خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب أسوة في تعامله مع أقباط مصر، ولنا أيضا في وصايا النبي كذلك، أسوة حسنة.
فيما يؤكد الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن ما حدث لإخواننا المسيحيين من استهداف دور العبادة الخاص بهم، تزامنًا مع مناسباتهم أمر ترفضه شريعة الإسلام، وتستنكره كل الشرائع السماوية، مشيرًا إلى أن هذا الحادث الإرهابي الغاشم يعكس مدى تطرف الفكر الإرهابي وتوحشه، وتأويله للقرآن والسنة.
ويوضح الورداني، أن الإسلام لم يشرع في أحكامه أبداً استهداف دور العبادة الخاصة بغير المسلمين، وأجمع العلماء، قديمًا وحديثًا، على حرمة الاعتداء على دور العبادة الخاصة بغير المسلمين.
وفيما يتعلق بتجديد الخطاب الديني، ودور الأزهر في ذلك، شن الباحث إسلام بحيري، هجومًا حادًا على المؤسسة الدينية في مصر، مشيراً إن صحيح البخاري ليس له قداسة، وليس صحيحا في كل شيء، موضحا أن الرئيس عبدالفتاح السيسي ومؤسسة الرئاسة يريدان تجديد الخطاب الديني، على عكس شيخ الأزهر والمشيخة، ويشير أن أحمد الطيب، ليس على قدر مسؤولية تجديد الخطاب، ولا يريد تحديث الخطاب الديني.
ويتابع بحيري، إن مشيخة الأزهر خاضعة لأوامر الدولة، لأنها مؤسسة ليست خارج البلاد، والأزهر ليس كهنوتًا وإنما هو مؤسسة خاضعة لأوامر الدولة، وفتوى الأزهر استشارية، ولا يستطيع أحد إجبار المصريين على فتاواه.
ويوافقه الرأي، مختار نوح، القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين، فيقول لا يوجد ما يسمى بتجديد الخطاب الديني، ومن الصعب تجديده، بل مستحيل، فكل الموضوع بدأت بفكرة وحاولت مؤسسة الرئاسة جاهدة لتجديد الخطاب الديني لكن الأمر باء بالفشل، فتجديد الخطاب الديني لم ولن ينجح في الوقت الحالي.
ويتابع نوح، إن الأزهر والرئاسة لم ينجحوا في إدراج فكرة الخطاب الديني، والفكرة في أساسها يستحيل تحقيقها، وهناك العديد من المؤسسات لا تريد تجديد الخطاب الديني.
وردًا على ذلك، يقول الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن قضية تجديد الخطاب الديني تتلخص في تجديد فكر ومفاهيم مغلوطة تحجب وصول رسالة الإسلام الصحيحة إلى الشباب الذي تخدعهم بعض العبارات كالجهاد والشهادة والخلافة، فهذا الفكر يجب تغييره وهذا لن يحدث في ليلة وضحاها، فالتجديد يحتاج إلى فترة من الوقت، قد تتغيير بتغيير الفكر البشري، وهذا لن يحدث بالسرعة المطلوبة لأنها نتيجة تراكمات عشرات السنين.
ويضيف الجندي، أن الخطاب الديني يجري تجديده وهناك جهود فعلية يبذلها رجال الأزهر والأوقاف والإفتاء في هذا الصدد إلا أنها غير ملموسة لكثرة العقبات التي تواجه عملية التجديد مثل تردي التعليم والمدارس وانتشار الزوايا التي لا تزال تقدم الفكر السلفي المتشدد.
وفي سياق متصل، يقول الدكتور عبد المنعم فؤاد أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، إن الأزهر يدعو بقوة لتعليم الطلاب عظمة التلاحم بين المسلمين والمسيحين على مدى القرون والأزمان، وما تخرج عالم من الأزهر إلا وهو يعتقد بمدى القرابة التي تجمع المسلم بالمسيحي.
ويوضح فؤاد، أن الاعتقاد بعداوة المسيحي عقابه عند ربي معلوم لذا أخطأ من يزعم أن الأزهر وراء هذه الموجات التطرفية، وكفى افتراءً، فالأزهر مؤسسة علمية لا تعلم أبناء مصر والأمة سوى التسامح والمحبة ولم نتعلم في الأزهر قتل نملة بل تعلمنا قوله تعالى (ومن قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا).
ويضيف، إن من فعل جريمة التفجير الآثمة لا يعرف سماحة الإسلام ولا المسيحية ولا تعاليم رب الأرض والسماء، لذلك نبرأ من أمثال هؤلاء القتلة، ونؤكد أن مصر لا يمكن أن يهز أمنها هذا الصداع ولحمتها الوطنية هي آلة أمنها وأمانها أمام رصاصات المتطرفين.
+ There are no comments
Add yours