في سابقة هي الأولى من نوعها، لم نر أي مظاهر للاحتفال بنجاح وتفوق طلاب الثانوية، فمثل هذه الأيام من كل عام، كانت تعج الشوارع والبيوت والقرى والمدن، بالزغاريد واقامة الأفراح، وتوزيع المشروبات وتبادل التهاني والتبريكات بين كل أطياف الشعب المصري، والسبب “إبننا أو بنتنا حصلوا على مجموع كبير بالثانوية العامة”.
لكن الحقيقة المؤسفة أننا لم نر هذه الروح منذ قرابة الثلاث أعوام، ولكن رأينا حوادث انتحار لطلاب وطالبات في ريعان شبابهم، ورأينا موجات عنيفة من الاكتئاب والتوتر والقلق للطالب ولوالديه.
شكاوى لا تنقطع طوال العام، بسبب التخبط في المناهج وكيفية الامتحانات والأسئلة.
كل هذه المراحل لابد وان نعيد على إثرها تساؤل وهو: هل بالفعل أصبحت الثانوية العامة عاملاً من عوامل المرض النفسي؟
الأمر بلا شك معقد، لأن ماهية المرض النفسي لها أبعاد عدة، لكن مايعنينا هنا؛ هو أن تلك المظاهر التي سبق الحديث عنها، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمرض النفسي، فالأم والأب الكادحين طوال العام من أجل أن يصبح فلذة كبدهما في أعلى المناصب يدركون أن هذه المرحلة هي فيصل بين ماضِ ولى، وبين مستقبل قادم، تحدده درجة الثانوية العامة، وعلى إثره تُحدد الكلية التي سيدرس فيها، ومن ثم الوضع المادي والاجتماعي الذي سينتظره بعد التخرج، كل هذه الأفكار تدور في أذهان جميع أولياء الأمور بمصر، باستثناء البعض أصحاب المناصب التي تضمن لأبنائها مقعدًا داخل أكبر المؤسسات عندما يبلغوا سن الثامنة عشر !
وعندما يخفق الإبن في هذه المرحلة من هنا تظهر ملامح المرض النفسي الذي قد يستمر مدي الحياة، كالصدمات العصبية والنفسية التي تؤثر على الصحة البدنية، والتي تصل أحيانًا إلى الوفاه نتيجة عدم تحمل خبر مثل هذا، والأخبار عن هذه الحوادث كثيرة.
بغض النظر عن أي كلام من عينة أن الإنسان لابد والا يتحكم في مصيره مرحلة كهذه، وأن مجالات النجاح عدة، وأن مرحلة الثانوية العامة ليست نهاية المطاف؛ إلا أن هذه الأفكار قد تندثر أمام المعتقد الراسخ منذ قديم الأزل عن أهمية مرحلة الثانوية العامة لدى الآباء والأبناء أيضا، لذا فلابد من إعادة النظر بشكل فوري في تحجيم القلق والتوتر الناتج عن تلك المرحلة، لابد من فتح آفاق جديدة للطلاب، وآباءهم تعتمد على خيارات وقدرات شخصية أكثر دقة من مجرد الحفظ والتلقين.
لابد من كسر الخوف من هذه المرحلة، لابد من العمل على إنتاج افكار وبرامج نفسية وتربوية تعيد للاسرة المصرية صلابتها النفسية تجاه التعليم بمصر، لابد من دراسة الواقع المصري جيدًا قبل البدء في تجريب أنظمة تعليمية قد تضر أكثر مما تفيد، حتى لو أتت ثمارها في دول أخرى، فكما يقول المثل المصري الأصيل “صوابع الإيد مش زي بعضها”.
+ There are no comments
Add yours