وكالات
قال الأكاديمي الأفغاني مصباح الله عبد الباقي، إن حركة طالبان تركت الباب مفتوحا في حكومتها المعلنة باعتبارها حكومة تصريف أعمال، وتراقب الموقف الدولي منها.
جاء ذلك في مقابلة أجرتها الأناضول في إسطنبول مع عبد الباقي، رئيس “جامعة سلام” في كابل، تطرق فيها للتطورات في أفغانستان.
وحول الحكومة التي أعلنتها طالبان قبل أيام، قال الأكاديمي الأفغاني “تأخر جدا تشكيل الحكومة، وبعد الإعلان مرارا من قبل طالبان أن الحكومة ستكون شاملة لكل أطياف الشعب إلا أنها اشتملت على أفراد الحركة وقيادييها فقط”.
وأضاف “الشعب يتوقع أن يعين مساعدو الوزراء من الفنيين والمهنيين، عندها سيكون الأمر سهلا، ولكن الاعتماد فقط على السياسيين في تسيير الأمور ستكون مشكلة”.
والثلاثاء، أعلنت “طالبان” تشكيلة وزارية لتكون حكومة تصريف أعمال، بعد مرور أكثر من 3 أسابيع على سيطرتها على العاصمة كابل، وهروب الرئيس السابق، أشرف غني، وتضم الحكومة إجمالا 33 شخصية.
حكومة من قيادات طالبان
وفيما يتعلق بتشكيلة الحكومة، أفاد عبد الباقي، أن “الحكومة لم تشمل إلا قيادات الحركة، ولم تستوعب فيها العرقيات الأخرى، فقد وجد 2 من الطاجيك وواحد من الأوزبك، والباقي كلهم من البشتون، وأهملت العرقيات الأخرى”.
وأردف “كان التوقع أن تكون حكومة متوازنة تجمع ما بين مختلف الأطياف، لكن لم يحدث هذا، لم يعلن أن الحكومة مؤقتة بل تصريف الأعمال ويبدو أنهم سيجربون”.
ويشرح عبد الباقي، ما ذهب إليه بالقول “إن تجاوب العالم واعتراف بهذه الحكومة فستكون دائمة، ويمكن أن يستدعى مجلس الأعيان (اللويا جيرغا) بعد 6 أشهر، مثلا، للحصول على الشرعية”.
وزاد “لكن إن لم تحصل الحكومة على اعتراف العالم، حينها سيقولون إنها حكومة تصريف أعمال، والآن سيحصل التعديل، فتركوا الباب مفتوحا للمناورة، وهم أتوا بالحكومة بكل من يثقون به، وكأنها حكومة سياسية بحتة للحركة”.
القيادات تغيرت لكن المقاتلين لم يتغيروا
وردا على سؤال إن كانت الحركة بالفعل تغير، أجاب عبد الباقي، “طالبان عبارة عن عدد كبير جدا من الناس، إذا تغيرت فإن التغير في القيادات الذين عايشوا المجتمع الدولي وشاركوا في المجالس وفي المحادثات، أما المقاتلون الذين كانوا في الجبال وفي الحرب فهم لم يتغيروا”.
وأردف “تغيروا من النسخة الأولى قليلا، لم يكونوا يسمحون للمرأة بالتعليم، هذه المرة سمحوا لها، سابقا كانوا يعتبرون كل مناوئيهم بأنهم قوى الشر، هذه المرة عفوا عن الجميع ولم يعاقبوا أحدا، واستطاعت الحركة ان تتعامل مع الأمريكان”.
وأوضح الأكاديمي الأفغاني، “المجالات الأخرى التي تحتاج لتغيير لم يحدث ذلك، مثل نظرتهم للحكم وقضاياه، ونظرتهم للفقه القديم في تسيير أمور الدولة، هذا التغير إن حدث سيتمكنون من تسيير أمور الدولة”.
واستطرد “كذلك نظرتهم للانتخابات ولمشاركة الآخرين، وأن يكون الحاكم مؤقتا، وأن التغيير يكون من الشعب، هذه الأمور لا زالت عندهم على الفقه القديم ولم يتغيروا به”.
ويضيف “المجتمع الأفغاني قبل المجتمع الدولي يتوقع أن يحدث التغيير في معتقدات حركة طالبان”.
فرص نجاح حكومة طالبان
وفيما يتعلق بإمكانية إقناع حركة طالبان المجتمع الدولي بحكومتها، قال عبد الباقي، “نحن أمام تجربة ولا نريد أن تفشل، لأن فشلها سيكون بديلها العودة للاقتتال الداخلي المدمر، نريد نجاح التجربة، ونجاحها متوقف على أمرين”.
وتابع “الأول أن تملأ طالبان الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة وحلفاؤها في أفغانستان بالجانب الاقتصادي والأمني”.
ودعا الأكاديمي الأفغاني، في هذا الصدد، المجتمع الدولي إلى تقديم المساعدات لحكومة طالبان “لتتمكن من استعادة الجيش والشرطة وقوات الأمن، وكذلك المهنيين والفنيين والإداريين الذين أجلتهم القوات الأمريكية، ويصل عددهم لأكثر من 123 ألف شخص”.
وشدد على أن “استعادة هذا الفراغ وملئه يحتاج لمساعدات كبيرة، عبر تشكيل محور من الدول الصديقة للشعب الأفغاني مثل: تركيا وقطر والصين، لكونها المتضرر الأول من إحداث هذا الفراغ المقصود من واشنطن”.
والعامل الثاني، بحسب الأكاديمي عبد الباقي، “أن يحصل هذا التغيير لحركة طالبان بتغيير تصوراتهم وأفكارهم”.
وأضاف أن “المجتمع الدولي يشترط هذا التغيير ليحصل الاعتراف، وقيادات الحركة لا يريدون العيش في جزيرة منعزلة”.
وتوقع أن “تُمنح الحركة فرصة لإثبات النجاح والتغير، وهناك ضغط من الشعب الأفغاني، وطالبان تشعر بهذه الضرورة”.
التحديات التي تواجه الحركة
وحول التحديات التي تواجه الحركة، قال عبد الباقي، “تحديات سلطة الحكم أكبر من تحديات المقاومة للاحتلال، فقد خلف الاستعمار تحديات وفراغا كبيرا ومشاكل كثيرة ورثتها حركة طالبان في الحكم”.
وتابع “المشاكل الاقتصادية للدولة والشعب، حيث تم تجميد أرصدة البنك المركزي التي تبلغ 10 مليارات دولار، وأوقفت الدول (الغربية) كل المساعدات وحتى المشاريع الجارية توقفت، والدول المجاورة لم تفتح حدودها، فالبضائع المطلوبة لا تدخل (البلاد) وهذا تحدي بحاجة لحل”.
ولفت الأكاديمي عبد الباقي، إلى أن “التحدي الآخر هو الفراغ الأمني. مقاتلو الحركة بأعلى تقديرات يبلغون 80 ألف مقاتل يجب أن يملؤوا فراغ قوات الأمن والجيش والاستخبارات التي كان عددها أكثر من 300 ألف شخص، وهذا الفراغ قد تستغله تنظيمات راديكالية مثل تنظيم داعش”.
وبيّن أن “الفراغ الأمني مرتبط بالفراغ الاقتصادي، حيث أن قوى الأمن بحاجة لتمويل وتجهيز، وكانت الولايات المتحدة تتولى دفع رواتب قوى الأمن، وهي مشكلة كبيرة”.
وأردف “كما أن هناك مشاكل داخلية بوجود الأحزاب، التي لم تُستوعب في العملية السياسية، والفراغ الإداري، إذ إن مطار كابل من 24 يوما لا يعمل بغياب الفنيين”.
مطار كابل
وعن تشغيل المطار والتعاون مع الدول الأخرى، قال عبد الباقي، “هناك تعاون قائم بين طالبان وقطر تركيا، وكل دول العالم تنتظر إلى أين ستتجه الأمور، هل ستشكل حكومة مقبولة للجميع وتشمل كل المكونات والأطياف؟ وكيف ستتعامل مع الحقوق الأساسية للمواطنين ومع وسائل الإعلام والمرأة؟”
وأضاف “هناك معايير متعددة، وكل دول العالم، بما فيها تركيا، تنظر لهذه الأشياء وسلوكيات طالبان في هذا المجال، فإن لم تحقق ذلك فلن تعترف بها الدول، وستفرض عليها عقوبات”.
وشدد على ضرورة أن تعطي “دول العالم فرصة لحركة طالبان، وأن لا تستعجل بالعقوبات والمقاطعة، لأن هذه الأمور ستحشر طالبان بزاوية ضيقة، وستجعلها متشددة أكثر، فنحتاج من الطرفين نوع من الروية والصبر حتى تضح الأمور”.
تجدر الإشارة أنه جرى استئناف عمليات الإجلاء من مطار كابل الدولي، مساء الخميس، بعد توقفها منذ الانسحاب الأمريكي، نهاية أغسطس/ آب الماضي.
حيث أعربت الأمم المتحدة، عن امتنانها لتركيا وقطر لدور البلدين في إعادة تشغيل مطار “حامد كرزاي” الدولي، بالعاصمة الأفغانية كابل.
وفي ذات اليوم، أعلنت قطر انطلاق أول رحلة تجارية دولية من مطار كابل إلى الدوحة، بعد إصلاح معظم المشاكل الفنية بالمطار.
تهديد الدول المجاورة
وعن تأثيرات ما جرى على دول الجوار، لفت الأكاديمي الأفغاني أن “الفراغ لم يحدث بدون تخطيط، بل أحدثته واشنطن قصدا، وهو نوع من تغيير الخطة العسكرية بخطة استخباراتية، بدل صرف أموال ضخمة”.
ويوضح أن الخطة العسكرية السابقة للولايات المتحدة استفاد منها كل من “الصين، وروسيا بمناطق نفوذها بآسيا الوسطى، وإيران، وهؤلاء كلهم منافسون لها”.
واستطرد “واشنطن قررت أن تغير من خطتها العسكرية، فأحدثت فراغا أمنيا وإداريا حتى لا تتمكن طالبان من تسيير الأمور خلال فترة قريبة، فتحدث الفوضى، وتعود البلاد للمربع الأول قبل 20 سنة”.
وحذر عبد الباقي، من عودة تنظيمات راديكالية للنشاط في أفغانستان، و”التي لها أجندة عالمية، وتطالب بإقامة الخلافة، وليسوا مثل طالبان”.
وشدد على أنه “عندما تصبح البلاد معرضة لعدم الاستقرار والقلاقل، ستفوت الفرص الاقتصادية على الدول الأخرى، وسيكون هناك نشاط داخل الدول المجاورة، حتى باكستان ستنشط حركة طالبان باكستان بها، وفي الصين يمكن أن يؤدي لثورة من الأويغور، ويجدوا ملجأ في أفغانستان، وكذلك في أوزبكستان وإيران”.
وختم الأكاديمي عبد الباقي، “إن عادت الفوضى لأفغانستان ستكون دول الجوار معرضة لأخطار كبيرة، وبهذه الصورة ستتمكن واشنطن من إيقاف المشاريع العملاقة للصين، وسيقل نموها”.
+ There are no comments
Add yours